د.علي أحمد جديد
تُعرَفُ (الثقة) بأنها الإيمان القوي والراسخ بالنفس أو بمصداقية شخص ما ، و اليقين بالقدرة على فعل وتنفيذ شيء ما . كما تعني التأكد من النفس ومن قدرات الفرد على القيام بما يريد بطريقة آمنة وفعّالة ، لكن ذلك لا يعني الشعور بالتفوق على الآخرين ، بل تكونالثقة تعبيراً عن شعور داخلي بالقوّة والقدرة وبالمعرفة التامة للقيام بأي مسؤولية .
وعندما تنعدم الثقة يكون ذلك بسبب وجود حواجز مانعة بين طرفين ، مما يؤدي إلى الوحدة وإلى الشعور بالإنعزالية ، لأن انعدام الثقة بين الأفراد يهدم أساس الحفاظ على العلاقات الشخصية والاجتماعية ككل . والثقة غير المحدودة أو (العمياء) تؤدي حتماً إلى الكثير من خيبات الأمل وإلى الصدمات والانكسارات غير المتوقعة . والثقة بحد ذاتها – اليوم – باتت مصطلحاً يصعب تحديده لأنه لا يمكن ملاحظة الشيء إلا بعد افتقاده . وعند غياب الثقة ينتاب الفرد شعور في التشكيك بالآخرين ، بحيث لا يستطيع أن يعرف تماماً ما يشعر به الناس نحوه ، وبالتالي فهو لا يدرك الدوافع والأفكار أو حتى استشراف المستقبل الضبابي أمامه ، وحتى المشاعر الخاصة فإنها تبقى محجوبة بشكل جزئي عن بصيرة الإنسان الذي يشعر بعدم قدرته على تلمّسها وبالقلق وافتقاد الكثير من الإحساس بالسعادة . ولأن الثقة أمر أساسي وضروري في الحياة ، فإن الحياة تتحول في غيابها إلى حياةٍ غير محتملة بسبب العجز عن إقامة أية علاقة أو صداقة حقيقية دون وجود ثقة ، كما يؤدي عدم وجودها إلى الفشل حتى في العلاقات الزوجية نتيجة الشعور بانعدام الإخلاص فيها . إضافة إلى أن الثقة تكون شديدة الأهمية في علاقات العمل بين رب العمل وبين العاملين تحت إمرته والتي قد تظهر من خلال التشكيك المستمر في العمل وتصحيح الأخطاء والتحقق الدائم من كافة تفاصيل الانتاج .
وكذلك فإن الثقة هي الأساس في جميع الروابط البشرية وفي العلاقات المختلفة وبالتالي فإنها تحكم جميع التفاعلات التي تتم بين الناس ، فلا أحد يقود السيارة أو يصعد على متن طائرة أو يطلب خدمة دون أن يثق بالآخرين الذين يقومون بالعمل عليها حيث أنهم يأخذون مسؤولياتهم على محمل الجد ، ويبذلون قصارى جهدهم للوفاء بالتزاماتهم اتجاه الناس باختلافاتهم ، لأن العلاقات الحضارية والثقافية في المجتمعات تعتمد على الثقة أولاً وأخيراً .
وهناك تم تحديد ثلاثة مبادئ أساسية للثقة والتي هي :
1 – محاولة عدم التأثر بالهالة الخاصة بالآخرين لأن الشخص يجب أن يكون حذراً من منح التمريرات بالثقة لهم قبل التأكد منهم ، ولأن نجاح شخص ما في مجاله لا يعني بالضرورة أنه يمكن الوثوق به في أمور أخرى .
2 – تجنب الشعور بالثقة بناءً على وضع الشخص لأن وضعه لا لايمكن تحديده مثل عِرقه أو جنسه أو دينه كونه شخص يستحق الشعور بالثقة ، فالثقة تعطى للأفراد فرداً فرداً وليست متعلقة بجماعة معينة ، أو بتصنيف بشري محدد .
3 – تجنب الحكم على شخص ما من خلال أقواله خاصةً عندما يقوم بفعل أو بتصرف عفوي مناقض لأقواله ، لأن الأفعال العفوية وغير المقصودة والمتعمَّدَة هي التي تحدد كيفية الثقة بالآخرين ، وهي التي تبيّن مدى مصداقية الشخص وكونه حقيقياً .
من هذا المنطلق فإن الثقة حالة عقلية لا يمكن قياسها مباشرة ، والاعتماد هو النتيجة المباشرة للثقة التي يمكن قياسها من خلال التصرف ، وبديلاً عن ذلك ، فإن الفرد يمكنه أن يقيس الثقة بالإحساس الداخلي أي الحدس الخاص ، كما يمكن اعتبار الثقة خياراً أخلاقياً يسمح للإنسان بالتعامل مع التعقيدات التي تتجاوز التفكير العقلاني . وفي هذه الحال ، تكون الثقة بين الإنسان والآلة ليست ذات معنى ، لأن الحاسبات ، مثلاً ، لا حسّ أخلاقي لها وتعتمد الحسابات العقلانية فقط . أي أن الثقة في جهاز ما أو آلة ما هي ثقة متوسطة بين المستخدم وبين صانع أو مخترع هذه الآلة ، لأنه هو الذي وضع لها القواعد العقلانية التي تُسيِّرُ الآلة . وإن (تيلر) و (فرانسيس فوكوياما) هما الأكاديميان اللذان دافعا عن هذا المفهوم للثقة كمعنى وكتصرف أخلاقي غير مباشر .
وكذلك تأتي مفاهيم الثقة من القواعد الأساسية للنظرية التي وضعها (جيمس كوليمان) في مصطلح من أربعة اجزاء :
1- موضع الثقة يسمح للأفعال التي تكون غير ممكنة (مثلا الثقة تسمح بالقيام ببعض الاشياء بناء على معلومات غير كاملة وغير مؤكدة) .
2 – إن الشخص الموثوق فيه هو شخص مستحق للثقة ، لذا من الأفضل أن يثق فيه الشخص ولكن إذا كان الشخص غير موثوق فيه فالأفضل عدم الثقة فيه .
3 – الثقة هي حركة تتضمن عملاً تطوعياً بين اثنين فيجب على الأول أن يُظهِر ثقته لكى يثق فيه الطرف الآخر وإلا يبقى الاثنان فاقِدَيْن الثقة في بعضهما البعض .
4 – لابد من فترة زمنية بين تحديد الثقة وبين نتيجة تأكيد الثقة .
ومن قوة تعريف (كوليمان) للثقة أن تعريفه يسمح بمناقشة تأكيد الثقة . لأن هذه المناقشات تكون مفيدة في تفسير الثقة بين الطرفين .
وفي علم النفس تكون الثقة تكاملية في التأثير الإجتماعي لأنها تُسهّل التأثير أو الإقناع لشخص ما بالائتمان على شخص آخر أو على تنفيذ مهمة أو على شيء محدد . وإن فكرة الثقة يتم تبنيها بشكل واسع على نطاق الاشخاص ، المؤسسات (الوكالات الحكومية) ، وعلى الأشياء مثل الآلات ، لأن فهم الأمانة والإحسان والقدرة هي شروط ضرورية من أجل الثقة واعتمادها . وعند فقدان الثقة ، بسبب انتهاك واضح لواحد من الشروط الثلاثة ، يكون من الصعب إعادة الثقة مرة أخرى بالطرف الذي انتهك شروطها أو أي شرط منها . وهذا يوضح التناظر بين بناء الثقة وبين تدميرها . وقد لاحظ (كوليمان) أن :
“التصرف بشكل موثوق فيه يمكن اعتباره تأهيلاً للوصول إلى مرحلة الثقة الكاملة” .